أثار الكذب على الصحة الجسدية والنفسية هو عنوان مقالنا لهذا اليوم :
(الكاذب سوف يُصدق كذبته)
حينما كنا أطفالًا غالبا ما كنا نسمع ممن حولنا حديثًا مثل لا تكذب وإلا أنفك سيطول، أو يقال لنا أن حبل الكذب قصير، وغالباً ما كان يُقص علينا قصة الفتى الكاذب والذئاب التي استنتجنا منها حكمة تخبرنا أن “الكاذب لا يُصدق حتى لو قال صدقًا”، وقد كانت إحدى الدروس الأساسية في طفولتنا التي تعلمنا ألا نكذب أبدًا.
نعلم جميعا أنه لا يجب علينا أن نكذب، ولكن يبدو أننا نفعل ذلك على أي حال، وفي الواقع من الممكن أن تكون قد كذبت اليوم بالفعل، وهز رأسك بالنفي قد تكون هذه كذبة أخرى بالفعل. وبحسب ما تظهره بعض القراءات الحديثة أن معظم الناس في الغالب يكذبون من مرة إلى مرتين في اليوم! دائما ما نقدم الأعذار لأكاذيبنا، فيقول أحدهم أنا لم أكذب، إن تلك كذبة بيضاء، أو قلت ذلك لأنني كنت خائفاً. لذا ما هي المشكلة الكبيرة إذا كان الجميع يفعل ذلك ويكذب؟ وغيرها من الأسئلة.
ماذا يحدث لك عندما تكذب؟
وفقا لبعض المراجعات، عندما تخرج الكذبة من شفتيك يقوم جسمك بإطلاق هرمون الكورتيزول أو بما يسمى بهرمون التوتر، وبعد عدة دقائق تبدأ ذاكرتك تتسارع لمحاولة التذكر حول ما هي الكذبة التي خرجت منها وأين تكمن الحقيقة؟
بعد ذلك تصبح قدرة الفرد في اتخاذ القرار أكثر صعوبة من ذي قبل ومن ثم يظهر انزعاج الفرد على صورة غضب، وبخاصة إن كانت تلك الكذبة ربما تلحق الضرر أو الأذى بالآخرين او تغير من الحقائق التي اعتاد عليها الناس، وكل هذا يحدث في العشر دقائق الأولى، بعد ردود الفعل الأولية السابقة، يبدأ الفرد بالشعور بالقلق حول كذبته وكيفية التعامل معها، وقد يحاول التعويض عن شعوره بالذنب عن طريق معاملة الشخص الآخر بلطف أكثر، أو يحاول أن يلقي اللوم على الآخر بأنه هو السبب الذي دفعه إلى الكذب، كما يحدث في العلاقات الأسرية.
وفي اليوم التالي للكذبة، في حال كان الفرد غير معتاد على الكذب فقد يضل يشعر بالسوء ويحاول تجنب رؤية الشخص الذي كذب عليه، وقد يؤدي استمرار الشعور بالذنب اتجاه كذبه إلى أنماط نوم متقطعة على مدار أيام قليلة، فكل هذا الضغط الإضافي له عواقب سلبية على صحة الفرد الجسدية والنفسية من خلال استنزاف الكثير من الطاقة الذهنية التي لدية لمحاولة إخفاء الكذبة والتعامل معها، مما يسبب القلق وفي بعض الحالات الاكتئاب.
أما بالنسبة لأثر الكذب على لغة الجسد، فعندما تقوم بالكذب فإن جسمك يبدأ يرسل إشارات غير إرادية مثل توسع حدق العين أو الضغط على الشفاه أم تقوم بتحاشي الاتصال بالنظر مع الآخرين أو تقوم بفرك يديك ومن الممكن أن تقوم بقضم أظافرك.
هل صحتك في منطقة الأمان عندما تقول الحقيقة؟
قالت أنيتاكيلي أستاذة علم النفس في جامعة نوتردام في دراسة أجرتها “أردنا معرفة ما إذا كان العيش بصدق يمكن أن يؤدي في الواقع إلى صحة أفضل. فقد أجرت دراسة تتكون من مجموعتين إحداهما تجريبية وطلبت منهم الامتناع عن الكذب، والأخرى ضابطة ولم يتلقوا أي تعليمات تخص الكذب، وبعد انتهاء التجربة التي استمرت 10 أسابيع خرجت هذه التجربة بعدة نتائج أهمها:
كانت الصلة بين قلة الكذب وتحسن الصحة أقوى بشكل ملحوظ للمشاركين في المجموعة الضابطة، مقارنة بالمجموعة التجريبية الذين قد عانوا من التوتر والقلق عند إلقاء الأكاذيب. وأن التحسن لم يقتصر على صحة الفرد فقط بل شمل هذا التحسن في العلاقات الاجتماعية الخاصة به.
هل يصبح الكذب سهلًا عندما نمارسه مرارًا وتكرارًا؟
قام فريق من الباحثين في جامعة لندن وجامعة ديوك، بعمل تجربة لمعرفة ماذا يحدث لأدمغتنا عندما نقول كذبه وما الذي يجري بالضبط في أدمغتنا في هذه الحالة. فقد أرادوا معرفة ما إذا كان الدماغ يصبح غير حساس للخداع أو الكذب بمرور الوقت، ومن
خلال التجربة، قام الفريق بالطلب من مجموعة من الأشخاص البالغين بأن يعملوا مع أشخاص آخرين لا يعرفونهم، وكان على المشاركين أن ينظروا إلى صورة لوعاء زجاجي تحتوي على عملات نقدية، ومن ثم يقولون لشركائهم الذين كانوا يعلمون بمجريات التجربة ويتعاونون مع الباحثين عن عدد النقود التي توجد في ذلك الوعاء، وفي النهاية،
كلا الشخصين سيحصلان على هذه النقود ويتقاسمانها، ولكن في بعض الأحيان كان بإمكان المشاركين الحصول على المزيد من المال إذا ما كذبوا، فتم إخبار المشاركين عن إمكانية الكذب حول عدد النقود حينها سيأخذون النقود كامله لوحدهم دون التقاسم مع شركائهم.
ومع قيام المشاركين باللعب كان الباحثون يجرون مسحا لأدمغة البعض منهم ونشاط اللوزة (وهو الجزء المسؤول في إدراك وتقييم العواطف والمدارك الحسية والاستجابات السلوكية المرتبطة بالخوف والقلق). واتضح أن المشاركين شعروا بالسوء عندما كذبوا، ومع مواصلتهم بالكذب أظهرت النتائج أن نشاط اللوزة ينخفض بشكل أكبر مع كل كذبه يقولها المشارك، أي أنهم أصبحوا معتادين على الكذب وغير مبالين وبالتالي يصبح الكذب سهلا عند ممارسته بشكل متكرر.
الكاذب يصدق كذبته
لا يستغرق الأمر وقتا طويلا لتصدق أكاذيبك! إن هذه المقولة ليست من وحي الخيال، بل أثبتتها دراسة تم إجراؤها للتحقق حول ما إذا كان الأفراد يذكرون الأمور التي كذبوا فيها أم أصبحت أكاذيبهم حقيقة في ذاكرتهم، فقد
شارك في الدراسة ٤٢ مشاركا قسموا إلى فئتين فالنصف الأول منهم من فئة كبار السن والنصف الآخر من فئة مواليد جيل الألفين وما فوق، وتم إعطاء المشاركين استمارة تحتوي على ١٠٢ سؤال حول ما فعلوه في اليوم السابق،
ومن ثم طلب النموذج منهم الرد على أسئلة مثل “هل ضغطت على غفوة في المنبه؟ “و “هل استخدمت شوكة لتناول الغداء؟”، ومن ثم طلب الباحثين من المشاركين الكذب في أجوبتهم. ومن ثم بعد ٤٥ دقيقة من انتهاء الإجابة على النموذج الأول قدم لهم نفس النموذج في المرة ثانية، ولكن في هذه المرة طلب من المشاركين الإجابة بصدق على جميع الأسئلة. كان سؤال البحث الرئيسي: هل بقيت الكذبة؟
عندما كذب المشاركون على سؤال في المرة الأولى، هل تذكروا أنهم كذبوا أم أنهم يعتقدون الآن أن الكذبة كانت الحقيقة؟ أظهرت النتائج أنه مقارنة بالمجموعة الأصغر سنًا، كان كبار السن أكثر ميلًا لتصديق الكذبة التي خرجت منهم من دون أن يذكروا الحقيقة الأساسية. ويشير هذا الاكتشاف إلى أن الكذبة يمكن أن تترسخ في الذاكرة وتشعر الفرد بأنها حقيقية.
ختاماً:
الكذب سلوكاً غير محمود يبنى على تزييف الحقائق جزئياً أو كلياً أو خلق روايات وأحداث جديدة بقصد الخداع او غيره من المقاصد قد تلحق الأذى والضرر بالكاذب والمكذوب عليه ومع تطور وتكرار الكذب قد يكون إيجاد الأعذار أمرا ً صعباً والشعور بالذنب
لدى البعض يؤدي إلى اضطرابات نفسية تصل الى حد القلق والاكتئاب مما يصعب مع هذه الحالة الوسائل التقليدية واللجوء إلى الوسائل المهنية والعلمية المبنية على براهين ومقاييس نفسية واجتماعية خاصة كتلك التي تقوم بها عيادات مركز سواء للاستشارات الأسرية من خلال نخبة من المختصين ووفق برامج وعيادات متخصصة تسهم في وضع الخطط اللازمة للتخلص من هذا السلوك غير المحمود.